عمر سليمان كما تراه 'إسرائيل' وأمريكا
تقرير إخباري ـ نسيبة داود
الأمة اليوم - قضايا الأمة :-
رجل إسرائيل الأول في مصر'.. 'لم يذرف دمعة خلال حرب غزة'.. 'انتقم من عرفات أشد انتقام'.. 'الأمل الوحيد الذي تتعلق به إسرائيل'.. كلها صفات أطلقتها صحف وشخصيات 'إسرائيلية' على من صار منذ أيام نائبا للرئيس المصري محمد حسني مبارك.
إنه اللواء عمر سليمان الذي ارتبط اسمه بملفات المفاوضات الحساسة التي توسطت فيها مصر.
لنلقي الضوء على حياة ذلك الرجل الذي ظل يعمل في الخفاء إلى أن اضطرته مهامه في الوساطة بين الفلسطينيين و'إسرائيل' إلي الظهور من خلف أسوار الظل الحديدية التي يصنعها رؤساء الجهاز الأمني المصري أو ضباطه حول أنفسهم عادة.
ولد سليمان بمحافظة قنا في أقصى جنوب مصر عام 1935. توجه للقاهرة عام 1954 ولم يكن عمره قد تجاوز 19 عاماً ليلتحق بالكلية الحربية، وبعد تخرجه أوفده الرئيس السابق جمال عبد الناصر للحصول على تدريب مُتقدم في أكاديمية فرونز العسكرية بموسكو وهي ذات الأكاديمية التي درس بها الرئيس مبارك.
شارك سليمان في ثلاثة حروب رئيسية هي حرب اليمن وحرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973. لكن ليس معروف دوره بالتحديد في تلك الحروب.
وفي مُنتصف الثمانينيات أثبت تفوقه كخبير استراتيجي عسكري وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعتي عين شمس والقاهرة. ولم تبدأ صلة اللواء سليمان بعالم الاستخبارات إلا في منتصف الثمانينات حينما عين قائدا للمخابرات العسكرية.
وفي عام 1993، تسلم رئاسة جهاز المخابرات العامة الذي يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة ليصبح أول رئيس مخابرات يعرف اسمه وتنشر صورته على الملأ، وهو في منصبه.
لمع نجم اللواء سليمان في عام 1995م، بعد أن اعتبر الرئيس مبارك أن له الفضل في إنقاذه من محاولة اغتيال استهدفته خلال زيارته للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الإفريقية. فقد كان سليمان هو من أشار على مبارك أن يصحب معه سيارته المرسيدس المصفحة ضد الرصاص والقنابل، وكان سليمان نفسه مع مبارك داخل السيارة عند تعرضها للهجوم بالنيران من مجموعة من الإسلاميين.
فشلت المحاولة لكن صدقت نصيحة سليمان، ما جعل مبارك يشعر أن أمنه يستقر في أيد أمينة، وأن الرجل موضع ثقة لا حدود لها.
ومذ ذاك ازداد نفوذ سليمان في السياسة المصرية، حتى أن البعض زعم أن الكيمياء غير الإيجابية بين سليمان وعمرو موسى الذين كان وزيرا للخارجية تسببت في الإطاحة بالأخير عام 2001 بإبعاده عن المنصب وتعيينه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية.
وفي العام ذاته، بدأ الحضور السياسي العلني لسليمان، عندما خرجت الصفحة الأولى لجريدة 'الأهرام' الرسمية بصور وأخبار للرجل مكان المساحة المخصصة لنشاطات الرئيس.
كان سليمان يمسك وقتها بملف الوساطة المصرية في المفاوضات بين 'إسرائيل' والسلطة الفلسطينية، عبر سلسلة جولات خارجية بين غزة ورام الله والقدس وتل أبيب.
وحاز رجل المخابرات القوي ثقة الأمريكان بعدما حذّر الإدارة الأميركيّة، قبل 8 أيام من وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، من أن 'أسامة بن لادن وتنظيمه يخططان لشيء كبير جداً ضدّكم'. وقتها، لم يُسمَع تحذير الرجل العربي الطليق بالإنجليزية، فحصل ما حصل في نيويورك وواشنطن، واقتنعت بعدها الإدارات الأميركية بأن هذا الرجل خطير، وصار التعاطي معه يجري على هذا الأساس.
وهذا أيضا ما دفع مجلة 'فورين بوليسي' الأمريكية إلى وضعه على صدر قائمة أقوى رجال المخابرات في العالم، قبل رئيس الموساد مائير داغان وقائد 'فيلق القدس' في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ورئيس الاستخبارات السورية آصف شوكت.
أما على الجانب 'الإسرائيلي'، فقد وصفته صحيفة 'جيروزاليم بوست' الإسرائيلية بأنه 'الرجل الإسرائيلي الأول في مصر'، ولم لا وهو من أبرم اتفاق بيع الغاز المصري لـ'إسرائيل' بأبخس الأسعار، وبسعر يقل عن ثلث ثمنه في السوق المصري بينما تعاني مصر ارتفاعاً في أسعار الطاقة. واستطاع سليمان إبرام الصفقة بالاتفاق مع 'صديقه' المقرب من الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) شاباتي شافيط.
وفي تحقيق موسع كتبه يوسي ميلمان معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة 'هارتس' الإسرائيلية بعنوان: 'عمر سليمان.. الجنرال الذي لم يذرف دمعة خلال حملة الرصاص المصبوب'، ينقل ميلمان عن أحد قادة الاستخبارات 'الإسرائيليين' قوله إنه التقى سليمان عندما كانت الانتفاضة الثانية في بدايتها، حيث أن سليمان قام فجأة بسبّ الرئيس الراحل ياسر عرفات بأقذع الشتائم لأنه لم يستمع لنصائحه بالعمل على وقف الانتفاضة.
وأضاف أن سليمان انتقم من عرفات أشد الانتقام، مشيراً إلى أنه عندما شنت 'إسرائيل' حملة 'السور الواقي' عام 2002، اتصل عرفات بسليمان واستعطفه أن تتدخل مصر وتقوم بإجراء رمزي للتعبير عن رفضها السلوك 'الإسرائيلي'، لكن سليمان تجاهل عرفات ورفض الرد على اتصالاته، وسمح بتوفر الظروف التي أدت إلى حصار عرفات و انهيار السلطة في ذلك الوقت.
ويعتبر عمر سليمان آسر قلوب الصحفيين والمسؤولين 'الإسرائيليين'؛ فسيرته في الصحافة العبرية مليئة بشحنة عاطفية كبيرة إزاء 'الرجل الأنيق، ذي الكاريزما الساحرة، المحترَم، المهذَّب لكن الصارم'، الذي يجد نفسه مرتاحاً مع سيجاره في 'مكتبه الملوكي' في القاهرة.
وهناك كم كبير من التصريحات الرسمية 'الإسرائيلية' التي تؤكد على أن تولي سليمان مقاليد الأمور في القاهرة يمثل مصلحة 'إسرائيلية' عليا. فقد علق دان مريدور وزير الشؤون الاستخبارية 'الإسرائيلي' في مقابلة مع الإذاعة 'الإسرائيلية' بتاريخ 30-1-2011 تعليقا على الانتفاضة الشعبية الأخيرة في مصر وما آلت إليه، قائلا: 'رغم التوقعات السوداوية التي تسود لدينا، فإن الأمل الوحيد الذي نتعلق به هو أن تؤول الأمور في النهاية إلى السيد عمر سليمان، إن تجربة العلاقة بيننا وبين هذا الرجل تجعلنا نؤمن أن العلاقات بيننا وبين مصر في عهده ستكون أكثر رسوخاً مما كانت عليه في عهد الرئيس مبارك'.
نعم 'أكثر رسوخا'، لأن له علاقات وصفت بأنها 'أكثر من وثيقة' مع عدد من كبار الضباط 'الإسرائيليين' من الموساد، وجهاز الاستخبارات الداخلي (شين بيت)، واستخبارات الجيش. وهو الشخص الذي وصفه البروفيسور 'الإسرائيلي' إيلي كارمون بأنه يعرف فلسطين و'إسرائيل' أكثر من أي شخص آخر في العالم.
وبطبيعة الحال فإن عدوّه الأول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تمثل مصدر الخطر الرئيسي على أصدقائه الإسرائيليين. وبناء على ذلك أشرف جهازه على تدريب قوات الأمن الفلسطينية التابعة للرئيس محمود عباس والتي جعلت همها الرئيسي اعتقال المقاومين وتعقب أنصار حماس خاصة في الضفة الغربية.
وتقول شبكة سي إن إن الأمريكية أن سليمان كان له الفضل في تشكيل معظم حكومات الرئيس عباس، بعد وفاة -أو اغتيال- الرئيس عرفات.
وسبب عداوته الشديدة لحماس هي أنها الامتداد الطبيعي لحركة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر.
وقد نقل عن سليمان أنه تفاخر أمام مسؤلين 'إسرائيليين' بنجاح النظام المصري في توجيه ضربات للإخوان المسلمين، قائلا إن الإخوان أقوى بكثير مما هو متصور لدى العالم الخارجي. ونقل عنه قوله بالحرف الواحد: 'نحن نقطع الليل بالنهار في حربنا ضدهم، من أجل وقف تعاظم قوتهم، وهذا أمر صعب، لأن المساجد تعمل في خدمتهم '، وبعد ذلك تحدث بالتفصيل عن الطرق التي يتبعها النظام في محاربة 'الإخوان'.
وبسبب طبيعة نشأته في قنا بصعيد مصر، يعرف سليمان الجماعات الإسلامية أكثر من غيره، لذلك فقد اكتسب شهرة واسعة في حربه التي قضى فيها على 'الجماعة الإسلامية' وحركة 'الجهاد الإسلامي' المصريتين في تسعينات القرن الماضي، وهو ما جعل منه محطّ ثقة مبارك ومبعوثه الخاص والشخصي لدى عواصم الغرب و'إسرائيل'
كما قام سليمان بتزويد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) بمحققين مصريين لاستجواب عناصر تنظيم 'القاعدة'، وهو ما جعل المجتمع الاستخباري الأمريكي يشكر سليمان ويرى في الاستخبارات المصرية حليف استراتيجي للولايات المتحدة، بشكل لا يقل عن الموساد.
وأشيع الكثير حول ارتباط سليمان بالسجون السرية التي تديرها الولايات المتحدة في دول عربية، والتي تشهد أبشع أنواع الممارسات الاإنسانية والتعذيب للمعتقلين.
رغم الآمال التي تعلقها 'إسرائيل' على انتقال السلطة إلى سليمان بعد مبارك في ظل الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تجتاح مصر منذ 25 يناير الماضي، إلا أن الأمل يظل قائما وسط إصرار الشباب المصري المعتصم في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية على عدم القبول ببقاء الرئيس مبارك أو أي من رموز حكمه على رأس البلاد.
http://www.umahtoday.net/arabic/?action=detail&id=4673