miércoles, 6 de octubre de 2010

هل يجوز لواشنطن اغتيال مواطن أميركي يعيش في اليمن؟

المصدر أونلاين - صنعاء
Ronald Sokol - The Christian Science Monitor
ترجمة: جريدة الجريدة الكويتية
القتل خارج الإطار القضائي يتماشى مع 'معايير المافيا'، إنما لا يتماشى مع متطلبات المحاكمة القانونية في ما يتعلق بالحق الوارد في الدستور الأميركي بضرورة الخضوع لمحاكمة ومواجهة الشهود، ولاشك أنه من المقلق جداً أن تعطي الحكومة الأميركية لنفسها الحق بقتل أي شخص قررت زج اسمه في لائحة الإرهاب.

تقدمت مجموعات الدفاع عن الحريات المدنية وأسرة الشيخ أنور العولقي، الشهر الفائت، بدعوى لمنع الحكومة الأميركية من قتل العولقي، حامل الجنسية الأميركية ويعيش في اليمن، وتعتبره هذه الحكومة، التي تحاول رد الدعوى، بمنزلة تهديد لتورطه المزعوم في مؤامرات إرهابية وتحريضه المجاهدين المعادين للولايات المتحدة. يُعتقد بالتالي بأنه هدف للقتل خارج الإطار القضائي.

تثير هذه الدعوى سؤالاً مهماً: متى يجوز قانوناً للحكومة، إن صح ذلك، تنفيذ عملية اغتيال؟ بينما لا يحق لأي فرد من القطاع الخاص القتل باستثناء حالات الدفاع عن النفس، فإن حق أولئك الذين يعملون تحت عباءة القانون مثل ضباط الشرطة، والجنود أو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أكثر تعقيداً بكثير. لا يملك حتى الجندي الذي يقاتل في حرب معلنة حقاً مطلقاً في قتل العدو.

معيار نوريمبيرغ

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وحين أُثير السؤال حول كيفية التعامل مع القادة النازيين، اقترح رئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشرشل، قتلهم بالرصاص. وافقه الرأي في ذلك الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، لكن الولايات المتحدة أيدت إخضاعهم لمحاكمة. في هذا الإطار، جادلت واشنطن الحكومتين البريطانية والسوفياتية، وأقنعتهما في النهاية، بأن الرد الأعمى ليس المسار الصحيح، وإنما حكم القانون. رأت الولايات المتحدة ضرورة محاكمة قادة الحكومتين والجيشين الألماني والياباني بشكل قانوني لشنهم حرباً عدوانية وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية. فلا يُعاقبون إلا حين يتبين أنهم مذنبون بعد محاكمة يحق لهم خلالها الدفاع عن أنفسهم وتقديم الأدلة.

طغى الموقف الأميركي في ذلك الحين، ووضعت المحاكمات في نورنبيرغ وطوكيو معياراً ذهبياً تاريخياً بعد الحرب لما بات يُدعى حركة حكم القانون. يقضي المبدأ الأساسي بضرورة أن تحترم الحكومة القانون على القادة عينها كما الأفراد. وهكذا تبنت هذا المبدأ جميع الإدارات الأميركية التي تعاقبت منذ عام 1945، لكن الولايات المتحدة وجدت صعوبة في الالتزام به.

بعد مضي خمسة وعشرين عاماً على محاكمات نورنبيرغ، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية اغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو. لكن هذا الانتهاك صُحّح في عام 1976 حين أصدر الرئيس فورد أمراً تنفيذياً يمنع فيه جميع الموظفين الحكوميين من تنفيذ عمليات اغتيال. دامت تلك السياسة حتى عام 2002 حين طلب الرئيس بوش من وكالة الاستخبارات المركزية اغتيال قادة المجموعات الإرهابية الذين ترد أسماؤهم في «قائمة الأهداف العالية القيمة»، لكن لم يتضح أبداً على أي أساس يرد اسم في اللائحة أو يُشطَب.

لا محاكمة قانونية للعولقي

عبر إعطاء الإذن على ما يُفترض باغتيال العولقي، وهو مواطن أميركي يعيش في اليمن، تظهر الإدارة الأميركية الراهنة بأن السياسة الأميركية لم تعد بعد إلى معيار نوريمبيرغ. يبدو أن الإدارة استندت في قرارها إلى واقع جوهري، ألا وهو أن العولقي يقيم في اليمن. فلو كان هذا المواطن يقيم في شيكاغو، لما اقترحت الإدارة اغيتاله. كان سيُعتقَل، ويُتهم بارتكابه جرماً ما، ويُحاكَم، وإن وُجد مذنباً، يُعاقب ويُسجَن. ينطبق الأمر عينه على ما يُفترض إن كان يقيم في فرنسا، أو إنكلترا، أو ألمانيا، إذ قد يُعتقَل ويُحاكَم أو يُرحل. لا شك أن كون اليمن دولة تعم فيها الفوضى يزيد المسائل تعقيداً، لكن حتى لو كان المواطن في إيران أو سورية فذلك لن يغير من المسألة شيئاً. كيف تُبرر إذن عملية الاغتيال؟

لعل القتل خارج الإطار القضائي يتماشى مع «معايير المافيا»، إنما لا يتماشى مع متطلبات المحاكمة القانونية في ما يتعلق بالحق الوارد في التعديل الخامس أو السادس من الدستور الأميركي في الخضوع لمحاكمة ومواجهة الشهود. وحتى بغض النظر عن حقوق المواطنين الدستورية، من المقلق جداً أن تعطي الحكومة الأميركية لنفسها الحق بقتل أي شخص قررت زج اسمه في لائحة الإرهاب.

منطقياً، يستحيل إنكار حق الحكومة في اللجوء إلى القتل في ظروف معينة، لكن يجب أن يتم ذلك بهدف حماية نفسها ومواطنيها من أي خطر وشيك، مع ضرورة أن تتكافأ الإجراءات الوقائية مع طبيعة هذا الخطر. أما في حالة العولقي، فتطالب الدعوى بإصدار أمر يمنع الحكومة من قتله ما لم يشكل تهديداً مباشراً. فالمواطن الأميركي الذي يختبئ في اليمن الغارق في الفوضى لا يهدد بشكل مباشر على وجود الحكومة الأميركية، إنما يشكل أفراد مثل العولقي خطراً عشوائياً على مواطنين في بلدان عدة، وذلك التهديد يبرر أخذ الحكومات إجراءات وقائية.

الحاجة إلى الإشراف القضائي

إن كان الإجراء الواجب اتخاذه عملية اغتيال، فإنه ينبغي تطبيقه تحت إشراف الجهاز القضائي. وما يقلق في عمليات الاغتيال التي تُنفّذ خارج الإطار القضائي أن الفرع التنفيذي يقوم مقام المدعي العام، والقاضي، ومنفذ الإعدام. لا يوجد بالتالي رقيب أو حسيب، ولا أحد يعلم معيار الأدلة الذي يستند إليه، فهل يجيز الاغتيال على أساس أسباب مرجحة للجريمة المرتكبة أم بالاستناد إلى أدلة لا تقبل الشك؟

من جهتهم، يزعم المسؤولون بأن أحد المواطنين الأميركيين في اليمن يدعم أعمالاً إرهابية وربما يشارك فيها، إنما لا يقدمون أي دليل على ذلك، فما من طرف مستقل يحكم إن كان هناك أدلة كافية تبرر القتل، ولا أحد يكشف عن المعيار المحدد للأدلة الذي يستخدمه الفرع التنفيذي. بالفعل، يطالب المُدّعى عليهم في قضية العولقي أن تضفي الحكومة شفافية على المسار المُتبع لتحديد ما إذا كان من المسموح قتل مواطن من دون محاكمة.

حين تصر الحكومة الأميركية على صلاحية غير قابلة للمراجعة بقتل مواطنيها، فهي تزدري بذلك حكم القانون، وتمنح نفسها سلطة مألوفة عادةً لدى الأنظمة الاستبدادية أكثر منه لدى تلك الديمقراطية.


* محام من فرنسا، عمل كأستاذ في كلية القانون في جامعة فيرجينيا وألّف كتاباً بعنوان Justice after Darwin وغيرها من الكتب والمقالات.


http://www.almasdaronline.com/index.php?page=news&article-section=1&news_id=11911

No hay comentarios:

Powered By Blogger

Contribuyentes