القذافي يحاول الوصول إلى بنغازي الكثيفة السكان ليشل قدرة الطيران الغربي (رويترز) |
تناولت الصحف البريطانية في افتتاحياتها العملية العسكرية التي شنتها قوات التحالف الدولي وبدء تطبيق الحظر الجوي فوق ليبيا الذي أقرته الأمم المتحدة.
فقد حذرت صحيفة غارديان من أن الانتقال إلى مرحلة ثانية من العمل العسكري قد ينتج عنه التفاف عربي حول القذافي، أما صحيفة إندبندنت فقد نوهت إلى ضرورة أن تكون الضربات محدودة، وذهبت صحيفة تايمز أون صنداي إلى القول إن أفضل ما يمكن رجاؤه من العمل العسكري ضد القذافي هو أن تنتج عنه ليبيا جديدة ومتنورة.
وبدت صحيفة غارديان متحمسة لبدء العمليات العسكرية وكتبت في افتتاحيتها تقول: إذا كان هناك بعض الشكوك في عزم القوى الغربية على أن تهب لنجدة الشعب الليبي، فإن تلك الشكوك قد تبددت اليوم. فقد أمطرت قوات الناتو الليلة الفائتة أهدافا في أرجاء ليبيا بالصواريخ سعيا لتنفيذ توصيات الأمم المتحدة لحماية المدنيين الليبيين من عنف القذافي.
ولكن الصحيفة تقول إن العمليات العسكرية التي بدأت ضد ليبيا لم تفت في عضد القذافي الذي وصفته بـ"الدكتاتور الليبي" الذي يبدو أنه ما زال مصمما على التحدي.
من جهة أخرى تقول الصحيفة إنه من الواضح أن القادة الغربيين يفضلون تغيير النظام في ليبيا، وتستشهد على ذلك بما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون الذي قال "القذافي ليس جزءا من المستقبل". أما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فقد قالت إن هناك "تفهما واسع النطاق" بأن "على القذافي أن يرحل".
"القتال أو الرحيل"
وتعلق الصحيفة على رد القذافي على رغبة الغربيين في رحيله بالقول إنه من الواضح لشخص في مثل ظروف القذافي أن عليه أن يختار بين "القتال أو الرحيل" وإنه قد اختار الأول.
وتمضي الصحيفة في تحليل تكتيكات القذافي وتقول إنه كان يخطط لاستعادة بنغازي، ومن ثم يتحدى القوات الغربية في أن تجبره على التخلي عن مكاسبه الميدانية، وبالتالي جرّ القوات الغربية إلى قصف بنغازي والمدن الأخرى الذي سينتج عنه بالضرورة سقوط قتلى من المدنيين. عند ذاك سوف يسعى القذافي إلى حشد تأييد العالم العربي الذي سيبدو أمامه وكأنه يتعرض إلى عدوان إمبريالي.
مخاوف من أن يصب العمل العسكري الغربي في مصلحة القذافي (رويترز) |
فمن المؤكد أن القذافي يرحب بجمود عسكري على الأرض يبقيه في النهاية على رأس السلطة، حيث سيكون من الصعب على القوى الغربية أن تحصر المواجهة في ليبيا بين قوى الديمقراطية والدكتاتورية، لأنها لن تكون في وضع يؤهلها لفعل الشيء نفسه في بلدان عربية أخرى.
ازدواجية المواقف
ففي اليمن قتل العشرات، وفي البحرين تم استخدام العنف ضد المتظاهرين وتم استدعاء قوات سعودية للمساعدة، والقوى الغربية لن تستطيع أن تتخذ مع حكام البلدين نفس الموقف الذي اتخذته مع القذافي، حيث سيتعين عليها المخاطرة في عدم استقرار تدفق النفط وتقوية إيران وزعزعة الحرب على الإرهاب، الأمر الذي سيعرضها في النهاية إلى ازدواجية المواقف.
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه والحال هذه ربما يكون من الأسلم الالتزام بقرار الأمم المتحدة بحذافيره وعدم الذهاب إلى أبعد من ذلك. هذا التدخل العسكري الغربي يجب أن يكرس لجس قوته العسكرية التي يمكن أن يستخدمها ضد شعبه، والحد من قدرته على ممارسة الطغيان.
أما إندبندنت أون صنداي فوصفت قمة باريس البارحة التي ضمت عشر دول من حلف الراغبين والجامعة العربية على أنه "انتصار للدبلوماسية".
وقالت الصحيفة إن الإجماع الدولي جاء متأخرا وإنه كان من المفروض أن تتخذ خطوات اليوم في قمة بروكسل في 25 فبراير/شباط الماضي، وقالت إن "للوحدة ثمنا" في إشارة إلى أن ما حدث في الفترة الأخيرة من خسائر في أرواح الليبيين هو ثمن الإجماع الدولي الذي ولد في باريس أمس.
الغطاء الدولي
وتنتهز الصحيفة في افتتاحيتها الفرصة لتوضح موقفها من الحروب التي خاضتها بريطانيا والغرب في العقدين الماضيين فتقول:
كان مؤشر بالغ الأهمية أن الصين وروسيا سمحتا للأمم المتحدة باستخدام الإجراءات العسكرية عن طريق إحجامهما عن التصويت. وذلك يعني أن الأصول المتحضرة للتدخل في شؤون الغير ما زالت حية، وهو ما دأبت هذه الصحيفة (إندبندنت) على دعمه وتأييده. كانت رؤيتنا على الدوام أن أي عملية جماعية لمواجهة جرائم ضد الإنسانية يجب أن تتم بغطاء أممي. لذلك كان موقف إندبندنت أون صنداي موقفا داعما لحربي كوسوفو وأفغانستان رغم أننا نرى أن مهمة القوات البريطانية في أفغانستان أصبحت غير واضحة وأن على قواتنا العودة إلى الوطن بصورة أسرع مما تخطط له الحكومة. ولذلك السبب عارضنا غزو العراق الذي افتقد إلى تفويض أممي واضح والذي كان من الواضح أنه سيطلق قوى مدمرة.
لكن الصحيفة ترى أن العملية العسكرية ضد القذافي يجب أن تكون محدودة وتقول "إننا دعمنا تدخل القوات البرية في كوسوفو ولكن ليس في ليبيا"، وتعلل ذلك بأن كوسوفو في أوروبا وأنها ربما تكون يومًا مّا جزءا من الاتحاد الأوروبي أما القوات الأوروبية –كما في درس العراق- خارج أوروبا فإنها ليست بنفس النجاعة.
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بأن فرض الحظر الجوي يمكن أن يكون مناسبا لمهمة حماية الشعب الليبي، ولكن الحقيقة التي من الممكن أن تكون صعبة علينا هي أن أفضل ما يمكن أن نأمله نجاح المجتمع الدولي في لجم الإفراط في استخدام القوة والعنف من قبل القذافي.
انتصاران مطلوبان
أما صحيفة صنداي تايمز فقالت في افتتاحيتها إن رئيس الوزراء البريطاني قد أبلى بلاء حسنا في حشد الدعم لعمل دولي ضد ليبيا وكان انتصارا دبلوماسيا له، الآن هو في حاجة إلى نصر عسكري يدعم ذاك النصر الدبلوماسي الذي حققه.
وترى الصحيفة أن التعامل مع القذافي لن يكون نزهة، فهذا الرجل داهية، استطاع أن يبقى في الحكم 42 سنة رأى خلالها بداية ونهاية العديد من الزعماء الأوروبيين. سنوات حكمه اتسمت بدهائه السياسي الذي أبقاه كل تلك المدة. وبفضل التحذير الإيطالي استطاع أن يخرج حيّا من الهجوم على مجمعه في طرابلس، ورغم كل فظائعه ولوكيربي استطاع البقاء في السلطة بل والحصول على دعم توني بلير.
صحيفة التايمز أون صنداي تساءلت: من ذا الذي في الغرب يجازف في شن غارات جوية على مناطق ممتلئة بالمدنيين؟ |
وتتساءل الصحيفة: من ذا الذي يجازف في الغرب بشن غارات جوية على مناطق ممتلئة بالمدنيين؟ وتجيب الصحيفة عن تساؤلها بأن أي غارة من هذا النوع ستنتج عنها مذبحة كان منعها هو الغرض الأساس من فرض حظر الطيران.
وتتفاخر الصحيفة بالقول إنها كانت من الذين دعوا إلى توخي الحذر في فرض حظر جوي على ليبيا، ليس لأنها أقل تحمسا لرؤية القذافي خارج السلطة، وليس لأنها لا تلقي بالا لفظائع القذافي، ولكنها وكما قال جنرالات الناتو كانت تريد أن يؤخذ في الاعتبار رد العدو قبل الإقدام على الخطوة.
دروس الماضي
وتجتر الصحيفة هي الأخرى درس العراق وتقول إن فقر التخطيط في الحرب على العراق أدى إلى نزاع دموي طويل، لذلك فإن الحظر الجوي قد يساعد على تنقية الأجواء لكنه سيطلق يد قوات القذافي البرية في المدن الليبية، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى جرّ الحلفاء إلى حرب برية. وهنا تذهب الصحيفة مرة أخرى إلى ما ذهبت إليه غارديان وتقول إن أي حرب برية على ليبيا سترفع من شعبية القذافي.
وتسترسل الصحيفة في تبرير مخاوفها وتقول إن كاميرون نجح في عدم الظهور بمظهر المنتصر وأكّد أن الطريق الذي يسلكه لن يكون منزلقا نحو حرب أخرى شبيهة بحرب العراق، لكنه عجز عن تقديم أجوبة مناسبة عن بعض الأسئلة مثل ماذا لو لم يؤت فرض الحظر الجوي أُكله ووقعت المجزرة وظل القذافي في السلطة؟
وتلفت الصحيفة النظر إلى عدم الاعتماد على استطلاعات الرأي في الذهاب إلى الحرب في إشارة إلى استطلاع الرأي الذي أظهر تأييد البريطانيين لموقف كاميرون من ليبيا، وتضرب بحرب العراق مثلا فقد قالت استطلاعات الرأي لبلير إنهم مع الحرب لكن اتضح فيما بعد أن تلك الآراء كانت متقلبة.
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالتمني بأن يتبع انتصار كاميرون الدبلوماسي انتصار عسكري تنتج عنه ليبيا جديدة متنورة.
No hay comentarios:
Publicar un comentario